وهذا هو الفرق بين الدين والمنظومات المادية الوضعية التي تنفصل التكاليف فيها عن الأخلاق، وتتعالى على مشاعر الناس لأنها تتعالى على واقعهم، أما الإسلام فلأنه لا يتعالى على الواقع ولا ينفصل عنه؛ لا يحط من مشاعر الناس، بل يستجيشها ويقويها ويستخرج منها طاقة دافعة للعمل، فيخبره بوضوح: من هو، ولماذا يواجه ما يواجه، وماذا عليه حين يواجه، وفي أي صف هو، وماذا ينبغي أن يفعل! كل ذلك حتى يوجِّه طاقته النفسية نحو البذل والغرس، لا في دار الدنيا فحسب، ولا في دار الآخرة فقط، بل في الدارين معًا.
فكل قضية من قضايا المسلمين، وكل ظاهرة في حياتهم لها “إيمانيات”، من عقائد وسُنن وأصول أحكام تُحيط بها، ويتشكل من خلالها وعينا بهذه القضية وهذه الظاهرة، وهذا لزوم كون المسلم “عبدًا” لله عزَّ وجلَّ.
والحقيقة أن إيمانيات قضايا المسلمين الكبرى؛ تُسوَّد فيها عشرات الصفحات، ولذلك حاولتُ أن أركز على أهم أفكارها، أبثُّ من خلالها الأمل في النفوس وأشحذ الهمم، فكل سوء ظن بالله والعياذ بالله، ثم بالأُمة، ثم بالنفس؛ إنما هو نتيجة نقص معرفته بهذه الإيمانيات، وعلى قدر ما يكتسب الإنسان من ثقة في هذه الثلاثة؛ بالله وبالمؤمنين وبنفسه؛ على قدر ما يُمكنه مقاومة الواقع وتغييره، فالمسلم لا يسترد عافيته كمسلم إلا حين يثق في الله ويستعيد ثقته في نفسه وفي المؤمنين.
د. محمد وفيق زين العابدين: مدير تنفيذي سابق للمعهد الدولي للإنسانيات والعلوم الاجتماعية بالكويت منذ ٢٠١٧، عمل وكيلًا للنائب العام منذ عام ٢٠٠٢ ثم قاضيًا بالمحاكم المصرية من ٢٠٠٩ وحتى ٢٠١٦، تخرج من كلية الحقوق بجامعة المنصورة عام ١٩٩٩، وحصل على درجة الدكتوراه في فلسفة القانون الجنائي من ذات الكلية والجامعة عام ٢٠١٨، ودرجتي الماجستير في الاقتصاد الإسلامي من المعهد العالي للدراسات الإسلامية بالقاهرة عام ٢٠١٦ وفي القانون الخاص من كلية الحقوق بجامعة المنصورة عام ٢٠٠٧، ودبلومي الفلسفة الإسلامية والغربية من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام ٢٠١٧ والأنثروبولوجيا من كلية البحوث والدراسات الأفريقية بذات الجامعة عام ٢٠١٦ بالإضافة لدبلوم الدراسات الإسلامية من المعهد العالي للدراسات الإسلامية بالقاهرة عام ٢٠١٢.
صدرت له مؤلفات في تاريخ القانون والشريعة وفلسفتهما، منها: حكمة التشريع وفلسفته (٢٠١٩)، قانون المصارف الإسلامية: ضرورة شرعية ورؤية مستقبلية (٢٠١٤)، إعجاز التشريع الإسلامي (٢٠١٣)، تطبيق الشريعة بين الواقع والمأمول: مباحث وحقائق تاريخية في قضية تقنين الشريعة وتطبيقها (٢٠١٢)، الآن يا عُمر: دراسة تاريخية في إثبات حُجية السُّنة وحفظها (٢٠١٥)، معركة الشريعة في الدستور (٢٠١٤).
حصل جائزة مجمع البحوث الإسلامية (القاهرة) عام ٢٠١٣ في "الإعجاز التشريعي"، وله عدد من المشاركات في المؤتمرات الدولية والبحوث في عدد من الدوريات العلمية في ذات المجالات السابقة.