رواية لـ المُهلَّب مرهج
رواية عن "الأنثى" السّاحرة بيسان، الّتي تمتلك القدرة على ممارسة السحر، وتسعى، رغم أن السحر شيطاني، لكي تمارسه من أجل البشر، ومن أجل أن ترسم السعادة على الوجوه وتحقق الأمنيات. على الجانب الآخر لدينا بطلنا الكاتب "أنيس" الشاب الذي تجرع مرارة الزقوم في حياته بسبب صدمات متتالية، هل يكون أنيس هو الحب حقاً؟ أم أن الحب هو بيسان؟ وعلى جانب ثالث لدينا بطلينا سراج وصبا مؤسسي حزب الشمس السوري الذي يسعى في ظل الأزمة لنشر البهجة والحب والتصالح مع الذات وضرب الظالمين بيد من حديد. كما لدينا البطل "ضياء" الذي يمثل تنظيم داعش الإرهابي. أما في القسم الثاني نبدأ في الرواية مسيرة جديدة كلياً ولكن ضمن نفس الأحداث ومتابعة لها، عن مافيا الضباب السورية، وعن بطلنا "مهيار" الذي ترعرع بين القتلة مكرهاً، وهو في الحقيقة يبحث عن حب وصداقة وحفنة كتب وحياة بسيطة فقط.. بين أطنان من التنمر وكراهية أهله له!
رواية في ظل الأزمة السورية، تمجد الأنوثة بين صفحات ملؤها الرعب تارة والحقائق والوقائع تارة أخرى، لا نرى إلا الدماء تكلل السرد وكأنني كتبتها بالدم بدلاً من القلم، ولا نشعر إلا بدمعة حريرية تكاد تسيل من أعيننا. الرواية التي اختنقت ألف مرة وأنا أخطها، وصارعت آلاف المشاعر والأحاسيس في داخلي بدئاً من العدم وانتهاء بالصوفية. حتى لقد كدت أصاب بمرض في القلب؛ إذ أنني انهرت فجأة، وأخذوني إلى المستشفى ، لأكتشف أنني مصاب بـ"العصاب القلبي" حسب تشخيص الطبيب؛ من اللطيف أنه ليس مرض عضوي بل مرض نفسي وحسب، ولكن، هذا جعلني أبكي، واغفروا لي فخراً وغروراً وعنفوان كاتب في روايته، فقد حققت غايتي من الكتابة ونزفت بالحب والدماء والقهر وأنا أرسم الحبكة والأحداث، كأنني لا أكتب رواية، بل فقط أعيد خط الحقيقة الملموسة التي لا شك فيها.
هي بيسان.. وكفا بها بيسانا!
لا أحب كتابة ملخصات عن أعمالي التي أخطها وأرسمها... ولكنني سـأخبركم عن أشياء طريفة حدثت معي في أثناء مشواري الأدبي مع هاتين الروايتين "طاعون الموت" و "أنا بيسان"..
طاعون الموت التي صعدت للقائمة القصيرة في مسابقة دار ببلومانيا للرواية العربية 2019 ولم يصبها الدور من المراكز الثلاثة الأولى..
حين صدرت النتيجة كنت فرحًا للغاية.. فقد كانت غايتي من المشاركة ليس الفوز؛ بل المتعة. فإنني في الحقيقة لم أتوقع حتى أن تصعد الرواية إلى القائمة القصيرة، فكيف تكون رواية غير مدققة إطلاقًا من بين أفضل عشر روايات مشاركة؟ أجل.. طاعون الموت في الحقيقة أرسلت للجنة التحكيم غير مدققة على الإطلاق... فهي المسودة ما دون أي مراجعة وأي تمحيص وأي تدقيق وأي تشكيل سواء نحويًا أو إملائيًّا..
كيف حدث ذلك؟
في الحقيقة؛ لقد كنت مصابًا في سنة 2019 بعدد من المشاكل الصحية التي أكد لي الأطباء أنها نفسية، إذ كنت مقهورًا من الواقع الذي أعيشه ويعيشه غيري من البشر في سوريا. حسنًا... رواية طاعون الموت كُتبت خلال خمسة عشر يومًا فقط! وبمجرد الانتهاء منها أرسلتها إلى المسابقة كما هي... فلم يكن هناك باق سوى شهر واحد على انتهاء فترة استقبال الأعمال... ومن المستحيل تدقيق رواية ملحمية ضخمة مثل رواية طاعون الموت في خلال شهر! فاللغة العربية بحر... وهذا يتطلب وجود معجم إلى جواري دومًا.. وجهدًا مكثفًا في التدقيق يفوق جهد الكتابة نفسها!
رغم أنني لم أتوقع صعود الرواية للقائمة القصيرة... فقد صعدت! ويبدو أن اللجنة تساهلت في حق الرواية جدًّا.. لأن الرواية رغم كمالها في معاييرها الأدبية إلا أن لغتها لم تكن سليمة في عديد من المواضع.. وكان من الواضح أنني متأثر بالحضارة الغربية وحضارة أدب الترجمة... لأدخل ألفاظًا وجملًا وعبارات جديدة على اللغة، لا، بل إن الإنصاف هو القول أنها لا علاقة لها باللغة العربية لا من قريب ولا من بعيد... ولكنني كنت أفعل ذلك وأنا مدرك لخطئي... ولم يكن هناك الوقت الكافي لتصحيح هذا الخطأ ووضعي الصحي لم يسمح بذلك!
في رواية "أنا بيسان" فالأمر مختلف تمامًا.. فبالإضافة لتركيزي على المعايير الأدبية من حبكة وسرد وأحداث وشخصيات.. فإن التركيز بلغ أوجه على اللغة... ولا أخفيكم أن الرواية تم تدقيقها لغويًّا على مدار ثلاثة أشهر. انكبيت خلال هذه الشهور على قراءة أقوى الكتب في اللغة العربية... وتصيد الأخطاء اللغوية كقط يتصيد فأرًا.. واكتشفت الكثير من السحر في لغتنا الحبيبة... وسخرت من نفسي كيف كنت أثني ألفاظًا تتطلب مني التذكير.. وأكتب التنوين على الألف عوضًا عن كتابته على الحرف الذي قبل الألف... وأستخدم كلمات لا وجود لها في اللغة مثل "نضوج".. وأكثر من استخدام "تساءل" دون وجود عدة فاعلين... وغيرها أطنان من الأخطاء اللغوية والإملائية...
لا أخفيكم أن هذه الأيام كانت من أسعد أيام حياتي.. واكتشفت حينها الفرق بين كاتب ينهي روايته في عشر أيام ويسارع في نشرها.. وكاتب آخر يصقلها عشرات المرات ويدققها مئات المرات قبل الإرسال... ليظهرها في قالب يشتهي أي قارئ قراءته...
بالمناسبة... فإن قصة "أنيس" في الرواية هي قصة حقيقية لصديق من أصدقائي اغتصبه أحد الدواعش... ولم يكتف القدر بضرب هذا الصديق الطيب جسديا بل رمى عليه الثقل النفسي... حيث كان أقاربه وجيرانه ينهشون من لحمه... وأصدقاؤه ينظرون إليه على أنه عار... وقد ألصقوا به وصمة العار إلصاقاً كعلكة، فلا هي تفارق روحه ولا هي تحرر عقله من قيودهم الملعونة.
فلا تكونوا أنتم مثلهم وتقبلوا وجود قصص مثل قصة أنيس في كل مكان... فنحن في عالم استهلاكي حقير تسيره الرغبة ويتحكم فيه المال... ولم يعد هناك أحد متصالح مع نفسه.. وإذا وجدوا بالفعل إنسانا متصالحًا مع نفسه سعوا إلى قتل هذا التصالح حتى يفنى ولا يعود موجودًا...
وما هذه الرواية إلا استنكارًا للقماءة البشرية.. ودحضًا لكل عقيدة نقص تتفشى في قلوب البشر.. بل إن ما خطته يداي كان سيقتلني يومًا.. فقد أسلفت لكم أنني سقطت وأغمي علي أثناء فترة الكتابة... من شدة تأثري بما أرسمه من واقع حقير لا يستحي أن يكون للبشر بالمرصاد...
وأنبه بأن اسم أنيس مختلف عن اسم صديقي.. وكل الأسماء في الرواية وحتى الأماكن فهي متخيلة لكي لا يحدث أي تشابه بينها وبين أي أسماء على الواقع...
إن شاء الله أكون قد وفقت في إيصال العمل إلى درجة تستحق الاهتمام..
وشكرا للإصغاء.
.. الله ولي التوفيق.
المهلب مرهج