معلومات عن هذا الكتاب الإلكتروني
قال الله تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ ]الإسراء:88[، وقال تعالى أيضًا: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ ]الزمر:23[.
فالقرآن الكريم هو كلام الله الـمُعجز، والهادي إلى طريق المستقيم، وهو أحسن الحديث في الفصاحة، والأعلى رتبة في البلاغة والبيان، وفصاحة القرآن هي وجه من وجوه الإعجاز، فكان على دارسِي علم البلاغة أن يُمعِنوا النظر في أساليبه البلاغيَّة واستخداماتها من أجل استخراج أدقِّ المعاني وأحسنها وبيان إعجاز هذا الكتاب الخالد، وهو ما سنحاول أن نقوم به في هذا الكتاب.
وإذا كان غير المؤمن من الكفار قد أدرك هذه الحقيقة في إعجاز نظم هذا القرآن، فالمؤمن والـمُحب لدينه أولى وأحقُّ أن يتعرَّف على هذه المعاني والأساليب، وذلك من خلال ما يعرِضُه الباحثون وأهل التَّخصص في هذا المجال، ففي المستدرك "أنَّ الوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ جاءَ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقَرَأ عَلَيْهِ القُرْآنَ فَكَأنَّهُ رَقَّ لَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ أبا جَهْلٍ فَأتاهُ فَقالَ: يا عَمِّ إنَّ قَوَّمَكَ يُرِيدُونَ أنْ يَجْمَعُوا لَكَ مالًا لِيُعْطُوكَهُ فَإنَّكَ أتَيْتَ مُحَمَّدًا لَتَعَرَّضَ لِما قِبْلَهُ، قالَ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أنِّي مِن أكْثَرِها مالًا، قالَ: فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أنَّكَ مُنْكِرٌ لَهٌ أوْ أنَّكَ كارِهٌ لَهُ. قالَ: وماذا أقُولُ؟ فَواللَّهِ ما فِيكم رَجُلٌ أعْلَمُ بِالشِّعْرِ مِنِّي ولا بِرَجْزِهِ ولا بِقَصِيدِهِ مِنِّي ولا بِأشْعارِ الجِنِّ، واللَّهِ ما يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِن هَذا وواللهِ إنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلاوَةً وإنَّ عَلَيْهِ لَطَلاوَةً وإنَّهُ لَمُثْمِرٌ أعْلاهُ مُغْدِقٌ أسْفَلُهُ وإنَّهُ لَيَعْلُو وما يَعْلى وإنَّهُ لِيَحْطِمُ ما تَحْتَهُ".[1]
ووجه الإعجاز يكمن في البلاغة القرآنيَّة التي تتسم بجزالة اللفظ وحسن التئام الكلمات والجمل وبراعة النظم وحُسن الخطاب وغيرها الكثير. والبلاغة القرآنيَّة كما وصفها الرماني في رسائله حول الإعجاز القرآني بأنَّها "إيصالُ المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ، وهي على طبقات، أعلاها طبقة الحُسن في البلاغة القرآنيَّة المعجزة للعرب والعجم، وأدناها كبلاغة البلغاء من الناس"،[2] كما وجدنا في شعر العرب ونثرهم.
واللغة العربيَّة تستمدُّ حُسنها وأبَّهتها مِن هذا البيان الجليل، والكلام الجامع، وما وُضِع علم البلاغة إلا لإظهار مكامِن ودفائِن هذا النظم البديع، وهو القرآن الكريم، وبذلك تكون العربيَّة سيِّدة اللُّغات في رَونقها وجمالها ما دامت لغة القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ]يوسف:2[. وكما قال الشاعر حافظ إبراهيم عندما تحدَّث عن جمال العربية:
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظًا وَغايَةً
وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ
وَتَنسيقِ أَسْماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
وقد ذكر الثعالبي في كتابه فقه اللُّغة وسرُّ العربيَّة: "أنَّ العربيَّة خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة، ولو لم يكن للإحاطة بخصائصها والوقوف على مجاريها ومصارفها والتبحُّر في جلائِلها وصغائِرها إلا قوة اليقين في معرفة الإعجاز القرآنيِّ ، وزيادة البصيرة في إثبات النبوة، الذي هو عُمدة الأمر كله، لكفى بهما فضلاً يحسن أثره ويطيب في الدارين ثمره". وبذلك يكون تعلُّم العربيَّة ودراسة أساليبها البلاغية كما سيظهر لنا هو الأداة الأهمُّ في تتبع ومعرفة الإعجاز البلاغي القرآني.
وبالرَّغم من وجود العديد مِن المؤلَّفات في مجال دراسة الأساليب القرآنيَّة والبلاغيَّة، إلا أنَّنا لم نجد دراسة جمعتْ تلك الأساليب تنظيرًا وتطبيقًا كما فعلنا في هذه الكتاب الذي وصفناه بأنه مجموعة من الدراسات الجمالية لبعض الآيات، ثمَّ إنَّ تنوع اختيارنا لتلك الأساليب البلاغيَّة وجمعها في كتاب واحد مع تحليلنا لبعض تلك الآيات هو ما يميِّز هذه الدراسة عن غيرها.
وبناء على ذلك فقد شكلتُ فريقًا من الأساتذة النُّجباء، تناول كلُّ واحد منهم أسلوبًا أو أكثر بعد اطلاعي على العديد من الدراسات السابقة والبحث والتتبع لأفضل تلك الأساليب وأروعها في القرآن الكريم، إلى أن وقع الاختيار على اثني عشر أسلوبًا وهي: أسلوب الالتفات، وأسلوب التكرار، وأسلوب الخطاب، وأسلوب الإيجاز، وأسلوب الأمر والنهي، وأسلوب الذكر والحذف، وأسلوب التقديم والتأخير، وأسلوب التعريف والتنكير، وأسلوب الترهيب والترغيب، وأسلوب الإقناع والتعليم، وأسلوب القصة، وأسلوب التمثيل. وعند الانتهاء من جميع الأبحاث قُمنا بعملية التحكيم والـمُراجعة، ولكنني كلما قرأت وراجعت صفحات هذا الكتاب وأنا أستلذُّ وأنجذِب أمام روعة وبلاغة هذه الآيات التي أقرؤها، أجد نفسي أمام بعض التصويبات والملاحظات التي لا يخلو منها أي كتاب مطبوع، فالنقص سمة لازمة لكل جهد بشري، وبناء عليه أستميح القارئ عذرًا إن وجد قصورًا ما، راجيًا المولى عزَّ وجلَّ أن نكون قد بلَّغنا الغاية، وأدَّينا الأمانة، وكان نفعًا للأمة، وخدمة لكتابه الكريم، ولا ندعي فيه الكمال الذي يأبى كتاب الله أن يشاركه فيه كتاب أو عمل، فهو جهد إن بلغنا به الغاية فبفضل الله وتوفيقه، وإن قصَّرنا فحسبنا العفو وإخلاص النيَّة.
وفي الختام، لا يفوتني توجيه الشُّكر الجزيل لكلِّ الأساتذة الأفاضل المشاركين على جهودهم الـمبذولة في إنجاح هذا العمل وإتمامه على الشَّكل المطلوب، وكذلك دار نشر صُون جاغ للنشر الأكاديمي التي لم تبخل بكلِّ ما لديها مِن إمكانيَّات في سبيل طباعة ونشر هذا الكتاب الذي نبتغي به وجه الله سبحانه وتعالى.
الدكتور أحمد درويش مؤذن
التقييمات والتعليقات
- الإبلاغ عن مراجعة غير ملائمة
- الإبلاغ عن مراجعة غير ملائمة
