لقد حاول الدكتور مختار لزعر من خلال مفهوم الاقتراب التداولي التأصيل لرؤية لسانية تداولية وتأويلية جديدة تنظيرا وممارسة. والتأصيل هنا، هو حالة النضج التي وصل إليها الفعل اللغوي؛ إذ ساهم على نحو كبير في تجديد الوعي اللساني العربي، من خلال إعادة النظر في طريقة التعاطي مع المفهوم والمصطلح والفعل الترجمي وهي مفاهيم كلها تدور في فلك المعنى وإشكالاته، في غنجه ودلاله. كما عمل على تهذيب القراءة اللسانية، وحاول انتشالها من الرؤية النقلية التي ظلت أسيرة زخم هائل من المفاهيم النظرية المستوردة. تلك، في اعتقادنا، هي حالة بعض التصورات والمدارس اللسانية العربية اليوم التي حاصرت نفسها بالعديد من المفاهيم النظرية المجرّدة من أيّ غطاء فلسفي؛ حيث لم تقم سوى بنقلها واستيرادها دون العمل على تطويرها وتوطينها والتفاعل معها، الأمر الذي جعل هذه الممارسة اللسانية لم تجدد من آلياتها ويغني منطلقاتها بأصول نظرية إضافية تعطي للمعرفة اللسانية نقلة نوعية من شأنها إضاءة الحقل الثقافي العربي معجما ودلالة وتداولا وتأويلا. أي أن تعيد النظر فيما سمّي بالمجال التداولي الإسلامي عقيدة ومعرفة ولغة وقراءة الموروث اللساني العربي قراءة عميقة تظل تسير وفق مبدأ الاختلاف الذي يقرب بين الأشياء، لأنّ الإيمان بفكرة الأحادية في عالم المفاهيم هو الإيمان بفكرة الوقوف والتوقف وهو مناف لما قام عليه السرّ الوجودي الإنساني في تلازمه مع عالم المعرفة. وقد كان الكاتب، على مدار كتابه، على وعي تام بأصوله الفلسفية واللسانية كما كان على وعي اجتهادي طريف بمحاولته تقليص المسافة بين مفاهيم ومصطلحات مستمدة من سياقات ثقافية مغايرة للثقافة العربية، وبين معطيات النصوص اللسانية بحمولتها اللغوية والثقافية نقلا وترجمة وتعريبا وهو ما سيجعل مشروعه يلقى اهتماما ملحوظا ومتزايدا من لدن باحثين ولا نغالي، إذا قلنا إن أطروحة مؤسسة لهندسة بيداغوجية عربية تأصيلية في تحليل الخطاب وتأويله، ممّا يجعل الاستفادة منها شيئا لا مناصّ منه.
أ. د مختار عبد القادر محمد لزعر، أستاذ في فلسفة اللغة واللسانيات، جامعة عبد الحميد بن باديس، مستغانم، الجزائر، كلية الأدب العربي والفنون، قسم اللغة العربية وآدابها.