وإذا كان هذا الخلاف يمتد، عبر طول العلاقة التاريخية بين المسيحية والإسلام وعرضها وكوجه من وجوه أصل العداوة الناشبة بينهما فلا يصح أخذ هذا الخلاف بالبساطة التي يأخذه بها الكثير من الناس، والجزم بشكل قد يبدو اعتباطيا، مؤيدا بصحة موقف أو آخر، دون درس ونظر شمولي متأمل، خاصة وأن الموقف القرآني المنكر لعقيدة الصلب، يقف موقف المصدق للنصرانية بوصفها دينًا إلهيًّا، ويقف موقف التكريم والإجلال للسيد المسيح عيسى ابن مريم، وأمّه البتول، مريم ابنة عمران، نبيًّا ورسولًا.
ولعلنا إن شئنا، في مجال فهم شمولي للرؤية الكونية الحضارية القرآنية، وللعلاقة الإنسانية الحضارية بين المسلم والآخر، أن نتعرض لهذا الخلاف الذي يمس أمرًا أساسيًا هو عقيدة الصلب لدى المسيحيين وذلك في سبيل فهم وحوار بنّاء أفضل، بين المسيحية والإسلام، واللتان هما الديانتان العالميتان والوحيدتان في العالم المعاصر، واللتان – وبصور مختلفة – هما أساس أعظم حضارتين إنسانيتين عرفهما التاريخ الإنساني حتى اليوم، ولذلك فلا بدّ من دراسة هذه القضية، في هذا المقام، والتعرض لهذه العقيدة، بعناية وعمق، ووضعها في موضعها الشمولي المناسب، في قلب سياق العلاقة والحوار الإيجابي بين الديانتين.
عبد الحميد أحمد أبو سليمان من مواليد مكة المكرمة. رئيس المعهد للفكر الإسلامي، والمدير المؤسس للجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا (1988م_1999م). حصل على الدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة بنسلفينيا في الولايات المتحدة عام 1973م. له العديد من الكتب والبحوث في مجالات الفكر الإسلامي المختلفة. منها: ((النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية: اتجاهات جديدة للفكر والمنهجية الإسلامية)) و (( أزمة العقل المسلم)) ، و(( العنف وإدارة الصراع السياسي في الفكر الإسلامي بين المبدأ والخيار)) ، و ((أزمة الإرادة والوجدان المسلم)) و (( الإصلاح الإسلامي المعاصر)).