تنبع أهمية موضوع الكتاب كونه يعمل على تفسير مكانة آسيا الوسطى في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، وفهم توجه "إسرائيل" نحوها نظراً لما تملكه من موقع متفرد، ولغناها بالثروات الطبيعية، إضافة إلى أن تقاربها وهذه الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة يكسر التصلّب على فكرة أن الإسلام يرفض وجود "إسرائيل" ولا يعترف بها.
بعد التمهيد، أفرد الفصل الأول الحديث عن الأهمية الجيو-استراتيجية والجيو-بوليتكية لمنطقة آسيا الوسطى. فمكانة آسيا الوسطى ليست حديثة طارئة فرضتها الظروف المستجدة في فترة ما بعد نهاية الحرب الباردة، و"طريق الحرير" القديم، الممتد من الصين إلى البحر المتوسط، تحوّل إلى ممر مهم لخطوط نقل البترول وأنابيب الغاز.
إن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة آسيا الوسطى، تتمثل في كونها تُعدّ قلب آسيا وقريبة من مجموعة من الكتل الجغرافية والتكتلات السياسية، فعلى المستوى الآسيوي تقع المنطقة على تماس مباشر مع روسيا والصين وإيران وتركيا، وتطل على شبه القارة الهندية، وفي الوقت نفسه تشكل منطقة عازلة تحدّ من الاحتكاك المباشر بين هذه القوى الآسيوية الإقليمية، هذا بالإضافة إلى إطلال معظم منطقة آسيا الوسطى على بحر قزوين الغني بالنفط والغاز، وهي تمتد على نحو أربعة ملايين كم2، تسكنها شعوب ولغات وأعراق متنوعة.
كما أن منطقة آسيا الوسطى تُعدّ سوقاً تجارياً مهماً، حيث إن أغلب دولها قد نالت استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ما جعلها سوقاً متعطشة للاستثمارات المختلفة، وأسواقاً مفتوحة للعديد من المنتجات، هذا بالإضافة إلى ذلك المخزون الهائل من النفط، والغاز، والفحم، واليورانيوم، والذهب، والفضة، وباقي المعادن الاستراتيجية الذي يميز المنطقة، ويتسبب في تدافع دول العالم عليها، واهتمامهم بها، وصراعهم على النفوذ فيها ومن بينهم "إسرائيل".
أما الفصول الثلاث التالية فتناولت بلدان آسية الوسطى الخمس: كازاخستان، وأوزباكستان، وطاجيكستان، وقيرغيزستان، وتركمانستان كل على حدة، مبينة وضعها الاستراتيجي؛ مكانتها الجيو-سياسية وبُعدها الأنثروبولوجي، وأهميتها الجيو-سياسية، إلى جانب بُعد العلاقة مع الكيان؛ البعد الاقتصادي والثقافي.
فالجالية اليهودية الكازاخستانية تتمتع ببيئة مستقرة، وحياة دينية وثقافية منظمة، وتمّ إنشاء المؤتمر اليهودي في كازاخستان في كانون الأول/ ديسمبر 1999. واليهود الأوزبك، الذين سكنوا أوزبكستان منذ ألفي عام، معظمهم من التراث الأشكنازي، يقدر عددهم بنحو 120 ألف يهودي، قد لعبوا دوراً كبيراً في إنشاء العلاقات بين أوزبكستان و"إسرائيل".
ومركز بايكونور كوزمودروم لإطلاق الصواريخ الفضائية، المنصة التي تنطلق منها جميع المهمات الروسية إلى الفضاء، وكذلك جميع مهام المراقبة الثابتة بالنسبة للأرض، والقمر، والكواكب، والمحيطات؛ يقع في كازاخستان التي منحت "إسرائيل" حقّ استخدامه كجزء من برنامج فضائي مشترك، وهو ما تمّ بموافقة روسيا، حيث تمّ إطلاق سلسلة من أقمار الاتصالات السلكية واللا سلكية التي بنتها "إسرائيل"، كان منها قمر عاموس-4.
وفي الفصل الخامس تناول الكاتب الانعكاسات الاستراتيجية الدولية والإقليمية للتواجد الإسرائيلي في آسيا الوسطى، مشيراً إلى الولايات المتحدة التي يصب في مصلحتها هذا التواجد، خلافاً لروسيا والصين، وإيران، ومعرجاً على أثره على تركيا.
كما تناول في الفصل السادس المنظور الكلي الإسرائيلي للجمهوريات الخمس، حيث فصّل في مراحل الاختراق الإسرائيلي وركائزه الاقتصادية، والسياسية، والاستخباراتية، والعسكربة. هذا، مع ذكر عوامل تقاربه وما يهدف إليه من خلاله؛ من تخطي للحواجز الإقليمية، وتقارب من العالم الإسلامي، وتعويض عن تراجع الدعم الأمريكي، وتطويق إيران، والبدء بتطبيق التطبيع.
وأوجز الكاتب في خاتمة كتابه خمسة أبعاد للاهتمام الإسرائيلي بجمهوريات آسيا الوسطى؛ بُعد جغرافي يتيح له التقرب من روسيا والصين وتركيا وإيران، ودور الوكيل حيث "إسرائيل" هي موضع قدم وقاعدة لأمريكا على الحدود الصينية والروسية والأفغانية والإيرانية، وبُعد اقتصادي لغناها بمصادر الطاقة، وبُعد عسكري بما تمثله من سوق للإنتاج الحربي الإسرائيلي، وبُعد يتمثل بمتابعة نشاط "الإسلام الراديكالي" ومكافحته بالتعاون مع دول المنطقة.