عندما يكتنف حياتك الملل.. ويصبح إيقاع الحياة بطيء.. حتى تكاد تعتقد أن عجلة الزمن قد توقفت عن الدوران.. وأن لحظات حياتك.. الحالية.. هي.. البداية.. والنهاية.. فلا أنت قادر على تجاوز الحاضر والعبور إلى المستقبل, ولا قادر على الهروب إلى الماضي؛ لتحتمي به من قسوة الحاضر.
إنه الملل.. ذلك القاتل البطيء الذي لا يخطئ هدفه. في البداية.. تشعر بأن حياتك هادئة تمامًا وترتاح لذلك، وبعد فترة تكتشف أنها رتيبة لا جديد فيها فتحاول أن تغير من نمطها، لكن تكتشف أنك وصلت إلى حالة الإحباط، فتحاول الهروب منه فتقع في فخ اليأس، الذي لا مناص منه.
هكذا حياتي.. أو بالأدق هكذا كانت، سنوات طويلة اعتدت على طريقة حياتي، أو هي اعتادت عليَّ.
كنت أحب كل ما في نفسى من مزايا، حتى العيوب، ومع الوقت أصبحت عيوبي مزية بالنسبة إليَّ.
لم أكن أفضل التغيير، أو لم أكن أريده، لا أدري هل هناك فارق بين الأمرين.
في بعض الأحيان كان يدق جرس التنبيه للتغيير فلا أسمعه، أو أدعي أنني لم أسمعه، لم أكن أحب الصدام أو المواجهة، حتى لو كانت مع نفسي، فدائمًا كنت أوثر الانسحاب حتى لو كانت نتيجة المواجهة محسومة لي.. فالفرار منها هو الحل الأمثل بالنسبة لي.
في البداية.. لم أكن أريد الاستيقاظ مما أنا فيه لكني عندما أردت.. لم أستطع فعل ذلك, كنت أحتاج إلى هزة عنيفة تخرجني مما أنا فيه، لكني لم أعثر على تلك الهزة.. أو لم تعثر هي عليَّ!
لسنوات طويلة اعتقدت أني سأبقى كما أنا حتى تنتهي دقات حياتي على هذه الحال, ويحتويني الزمن السرمدي.
لكن القدر كان رحيمًا بي، فمنحني هزة غيرت مسار حياتي حتى أمسكت بلجام نفسي.. ولهذا قصة.
على غير عادتي استيقظت من نومي مبكرًا.. فيوم الجمعة هو الوحيد الذي أخالف فيه عادتي، لا لشيء إلا لقدوم فرحات، تاجر الكتب القديمة الذي يأتي كل أسبوع في مثل هذا اليوم.
منذ سنوات عديدة تعرفت على فرحات وتوطدت بيننا علاقة صداقة حميمة، كانت الكتب هي المتنفس الوحيد لي في هذا العالم، فكل شيء أحببته، أصابني منه الملل، ما عدا الكتب.
تلك المخلوقات السحرية التي تبحر بك في عوالم عجيبة، حتى تتمنى أن تظل هناك الى الأبد لكن ومع آخر صفحة في الكتاب، تعود بك الى أرض الواقع لتصطدم بذلك العالم القاسي.